Skip to content

تتجلى قدرة الفنان دائمًا في التعبير عما يملأ روحه ويلهمه فيبدع. تتنوع مجالات الابداع، مثل “الرسم بالضوء” وغيرها، التي تعمل على إبراز ملامح الأشياء عن قرب. كانت رؤية المبدع للأشياء تختلف دومًا، فكأنه يرى من التفاصيل ما لا يراه غيره، ولعل قيمة إبداعه تتجلى في إشاراته بأن نرى تلك التفاصيل، وينبّهنا إلى معانٍ فيبرزها في بهاء ودقة، فينبع من فيض إلهامه ما يجعلنا ننتبه إلى مهاراته ونقاء روحه.

إذا أطلقنا على فن التصوير مُسمّى الرسم بالضوء، فإن ذلك يُعدّ ترجمة حقيقية لمعنى الإبداع في فن تصوير الأشياء، فكما يمتلك الأديب أدوات التعبير بالكلمات وكما الرسام له فرشاته وأدواته، ويستطيع كل منهما ترجمة المشاعر لصورة تعبيرية أو لمعنى مجازي، فإن التصوير يسلّط الأضواء على الجمال الصامت، ويحمل المصوّر معه أداوته التي تبلغ في بساطتها وكأنها أصبحت بعضًا من أعضائه، ولكنه الجزء الأهم في أعضائه، فهي روحه الناطقة والمعبرة، وهو ما يجعل ما يلتقطه ناطقًا معبرًا عن معانٍ تغزو وجدان من يتناولها. يمتلك المصور عينًا ليست ككل العيون، ويقتنص اللحظات بحزنها وسعادتها. حينما يقوم المصور بالتقاط صورة لشيء ما، فكأنما يجمّد حركة الأشياء في زمان ما، ومكان ما، في بساطةٍ تبدو أكثر دقة، وفي وعي عن قراءة تفاصيل قد تبدو أحيانًا مُهمَلة. بروح المبدع، يبدأ في إخراج الأفكار من عدسته التي يرى من خلفها الأشياء، فيستطيع أن يبرز الزوايا المختلفة وانعكاسات الأضواء علي قسمات الوجوه، يبرز ضحكة هنا وحزناً عميقاً هناك. مثلما يستطيع الشاعر أن يرسم بكلماته التعبير عن الحالات، يبرز هو التعبير عن الأشياء الصامتة في رقيٍّ وفي تسجيل اللحظة من الزمان والمكان بفهمٍ عميق. ورؤية الفنان دومًا تختلف، فهو يرى البحر يحمل تفاصيلًا خلابة، يرى شفاف الأمواج، ونعومة الرمال والصخور، يرى فى منطق الأشياء معاني أكثر مما نتوقع، ويبرزها مع الأضواء الناعمة أحيانًا، والقوية في أحيان أخرى،

يعتمد هذا الفن الراقي على إدراك الفنان، مستعينًا بأدواته التي يحملها في إبراز الأشياء عن قرب معتمدًا على هدف في التقاط المنظر وبأضواء تبرز هذه الملامح التى ينوي إبرازها. فهو يحمل «كاميرا»، ويبقى مستعينًا بالضوء لتحقيق هدفٍ يبدو في لقطةٍ حملت من أفكاره الكثير لتصل إلى المتلقى في بساطةٍ ويُسر. وكأي مهنة أو حرفة أو وسيلة تعبير، يبقى الشخص متدرجًا في موهبته، من البدء حتى الاحتراف. والتصوير نفسه له أنواع كثيرة، فهناك التصوير الصحفي، وتصوير الطبيعة، والحياة البرية، و«البورتريه»، والأبيض والأسود، وغيرها الكثير. تتنوع وتختلف في الهدف ولكنها تشترك في نفس الرسالة. كان التطور الأول للرسم، وكان الرسم هو صاحب الرسالة الأولى التي تبناها الرسام، في أن يلقى من إبداعه ما يتلقاه المتذوق، وبظهور التصوير الشمسي، تحولت الرسالة إليه، فالتطور حادث ويحدث لا محالة، وحينما يلتقي الإبداع بالاكتشاف العلمي ويطور الفنان من أدواته، فإن ذلك هو ما تحتاجه الروح الخبيرة، لتصنع الأحداث وتسجلها وتؤرشفها.

يستمد الفن من روح الفنان، وبتطوير الأدوات يبقى التميز المسبوق بالعلم هو عنوان الرسالة، وحينما يطور العلم من أدوات الفنان، يستطيع حينها أن يفتح أبوابًا أوسع، ويحقق المتعة الأكبر والقدرة الأوفى في توصيل مشاعره وأفكاره.

رامي مكي

Back To Top